(( دور المجتمع المدني في ترسيخ التعايش السلمي في إفريقيا ))
مقدمة د. طاهر امباي يوسف(جزرالقمر )
إن المجتمعات الافريقية مجتمعات متنوعة الديانات و الثقافات و تمثل مزيج انسانيامتنوعا من حيث الانتماء القبلي و العشائري و من حيث نمط الحياة.
و تجد أن التطرف و المغالاة الفكرية يمثلان داء دفينا و سما قاتلا لدى المجتمعات الافريقية و تعاني منه علي مختلف الاصعدة السياسية و الاقتصادية و الثقافية والاجتماعية و هما يمثلان العدو الاول للتعايش السلمي ، اضافة الي النرجسية والتعالي فكل فريق ينظر الي نفسه انه يفوق الاخر و يعلوه فتفصل الروابط الاجتماعيةو تنتشر الاحقاد و تغيب لغة التواصل فتفقد روح التعايش و يوؤد في مهده .
بالإضافة الي غياب دور القانون الذي يهدف الى انتظام الحياة و المحافظة علي الامن و الاستقرار و حماية الحقوق و الحريات و تحقيق العدل و المساواة فإن احترام سيادة القانون و الالتزام به يزيد المجتمعات قوة و تماسكا كما يشكل أرضية صلبة للتعايش السلمي.
إضافة اليدى الإعلام فلا شك ان عصرنا الحالي هو عصر التكنولوجيا،و أصبح العالم قرية صغيرة رغم الايجابيات العديدة الا انه يحمل سلبيات مقيدة فقد صارت التكنولجيافي كل بيت و دخلت الفضائيات في كل دار وأصبحت تستخدم في بث السموم و تأجيج الصراع عبر إثارة العديد من القضايا الداعية إلى التعصب والتحريض علي القتل وخطاب الكراهية و ذلك لانتشار الجهل في العديد من البلدان الافريقية و على شأن المجتمعات القبلية و العشائرية و المعتقدات العقائدية.
إضافة الي الأنظمة السياسية الحاكمة و ذلك باتخاذها مجموعة من الإجراءات التي تقف في صف فئة من المجتمع علي بقية الفئات.
إضافة الي الانظمة العالمية التي جعلت من الحكومات الافريقية مسرح للخصام بينها بتوجيهاتها و محاباتها لدول على حساب دول أخرى.
كل ذلك أدى إلى أن تكون أفريقيا بيئة خصبة للعنف و الصراع و تترتب عليها آثاركارثية في القارة. مما استدعي أن تكون لمنظمات المجتمع المدني دور كبير و ضرورة انسانية في هذا العصر الذي كثرت فيه النزاعات و الحروب باعتبارها إحدى المحاورالمهمة لإدارة هذا الاختلاف و التنوع في المجتمعات الافريقية و تحويله إلى قوة لتعزيزالأمن و إرسال قواعد السلام في افريقيا.
التعايش السلمي هذا سيبقي من أهم المواضيع الحاضرة في التاريخ المعاصر و التي تعتبر هاجسا لدي الجميع، شعوبا و دولا افريقية لذلك فإن تناولها و العمل عليه يعدضرورة و هدف في أن واحد و ذلك من أجل المساهمة في التعاطي مع الصراعات والنزاعات في القارة الافريقية و هو إحد المفاهيم المحورية الهادفة لادارة التنوع في المجتمعات الافريقية ليسهم في تحقيق التقدم و الازدهار الذي تأخر كثيرا في القارة وبفضل عمل منظمات المجتمع المدني هنالك دول نهضت مثل جنوب افريقيا و روندا…
لذا اصبحت الحاجة الي تكريس مبدأ التعايش السلمي ضرورة ملحة في وقتنا المعاصرلما وصلنا إليه من مظاهر العنف بحق الانسانية في القارة الافريقية…
و افضل ما يقوم بهذاالدور منظمات المجتمع المدني لانها تملك المعرفة الجوهرية حول مجتمعات مناطق النزاع، إضافة لاستقلالها السياسي و ايضا من المعتقدات العقائدية و حياديتها ومصداقيتها العالية لدى مجتمعاتها و لها المقدرة للدخول في مجالات غير متاحة للفاعلين الرسميين و التحدث مع عدة اطراف و التعامل مباشرة مع القواعد الشعبية و المجتمعيةالمختلفة و لها المقدرة للقيام بانشطة لا تقوي الحكومات علي القيام بها مثل:
- تسهيل تطوير الافكار الجديدة و المبدعة
- توفير قنوات تواصل غير رسمية موثوق فيها ، و التوسع في شبكات العلاقات خصوصاً مع المجموعات أو الافراد الذين تعزف الحكومات عن الالتقاء بهم لاعتبارات سياسية او قانونية.
- تمتلك الخبرات و المعرفة والفاعلية و التقبل العام لدى المجتمعات.
لذا فإن دور منظمات المجتمع المدني يسهم في استقرار المجتمعات و مواكبة التحديات. تجري الإشارة عادة الي منظمات المجتمع المدني بوصفها مجموعة غير حكومية و غيرربحية هدفها تحقيق المصلحة العامة و تخفيف المعاناة و تمثل مصالح المجتمعات والقيام بالتنمية و الأهم انها تعني ببناء السلام و معالجة النزاعات.
و قد قدمت المؤتمرات العالمية للامم المتحدة في التسعينات محفزات هائلة لإنشاءمنظمات المجتمع المدني و التوسع في مجالاتها و قضاياها و اصبحت تقوم بدورتعويضي عن خدمات الرعاية الاجتماعية التي كانت الدولة تتولاها في الماضي مثل ( الصحة _ التعليم _ السياسات الاجتماعية) خاصة بعد دعوة البنك الدولي لتخفيف انشطة الدولة في هذا المجال واصبحت وكالات التنمية الدولية تقدم مساعداتها عبرمنظمات المجتمع المدني المحلية و تضاعف عشرات المرات كل عام.و كشفت عن الانشطةالتي تعتي بصنع السلام و بنائه و الوقاية من النزاعات مثل الانذار المبكر ،
و الدبلوماسية الوقائية و ذلك باقامة ورش عمل الحوار و الوساطة و المفاوضات المعنيةبصنع السلام و إقامة الشبكات و مبادرات التفاهم العابرة للثقافات وبناءالعلاقات.وذلك عبر:
- دعم الاصلاحات في قطاع التعليم و مبادرات التعايش السلمي
- ترسيخ ثقافة السلام و توفير محفزات لتخطي ثقافات الحرب عبر الفن و الموسيقي والأفلام و الفعاليات الثقافية.
- مبادرات من أجل الحوار بين الاديان
- اعادة دمج العائدون من اللجوء و بناء المجتمعات
- التعامل مع الصدمات النفسية و الدعم الاجتماعي و النفسي لضحايا الحروب
- الشراكة العالمية للوقاية من النزاعات و بناء السلام
كل هذة جعلت منظمات المجتمع المدني تقوم بادوار كبيرة للمجتمع في افريقيا خاصةفيما يخص النزاعات و الصراعات فجعلت ضرورة بناء المجتمعات علي ثقافة التعايشالسلمي و الاعتراف به صراحة في القوانين الوطنية و المواثيق الدولية و ذلك من أجلتكريس حمايته علي الوجه المطلوب وقامت بتوفير المهارات اللازمة لحل النزاعات سلميا وتحويل النزاعات الى سلام دائم ، و تحديد الفجوات و التدخلات المناسبة أولويات أصحاب المصلحة بالإضافة الي أحكام التنسيق.
لكل ذلك نجد ان منظمات المجتمع المدني لها دور كبير في الوصول إلى التسامح وان تعيش الشعوب الافريقية في سلام و حسن جوار.
بقلم الدكتور طاهر امباي من جزر القمر
عضو منظمة حقوق الإنسان العالمية بالولايات المتحدة الأمريكية و مكافحة الفساد باريزونا الولايات المتحدة الأمريكية