الرئيسيةالمقالاتما عُدتُ أنتقد الحكومة

ما عُدتُ أنتقد الحكومة

ربما أنفرد عن (جماعتي) برأي هجين ، وأقول بأنني لا أفرق بين (الحكومة) و (الشعب) ، بل هما عندي من (سنخ واحد) ، وإنما جاء (التفريق) بينهما (سياسياً) من أجل التملص والتخلص من المسؤوليات ، وإرجاء الفشل لجهة دون أخرى ، بشكل يشبه (إحالة) أوراق المحكوم بالإعدام إلى فضيلة الشيخ (المفتي) .

ولأن (الشعب هو مصدر السلطات) ، ولأن الحكومة هي مجموعة (تنفيذية) منبثقة من (أبناء الشعب) ، ولأن (السلطة التشريعية – البرلمانية) منتخبة من قبل أبناء الشعب ، وأعضائها من أفراد الشعب ، وكذلك الحال مع (السلطة القضائية) ، فقد أصبح (التفريق) بين الحكومة والشعب محض (هراء) وخديعة تفضي إلى تشتيت الوعي الجمعي ، واللعب بالأوراق على حساب الحقيقة والمسؤولية .

وعلى سبيل المثال

ففي (بلد الحضارة) العراق .. وعلى صعيد (السلطة التنفيذية) ، نجد أن رئيس الحكومة (عراقي) ، ووزراءه و وكلائهم (عراقيون) ، والمدراء العامون (عراقيون) ، وأصغر موظف في الحكومة هو (عراقي) .

وكذلك رئيس الجمهورية ونوابه وحواشيه ، والأمر ينطبق تماماً على (السلطة التشريعية) واللجان المنبثقة عنها ، والتي صوتت وجاءت بأعضاء المناصب التنفيذية ، فضلاً عن (السلطة القضائية) وما ينبثق عنها .

فكل هؤلاء (عراقيون) ولم نأت بهم من (موزمبيق) أو (نيكاراغوا) أو جزر الـــ (واق واق) ، وإن نسبة (99,9 %( منهم يدعي الجهاد والنضال والمعارضة للسلطة الديكتاتورية السابقة ، بل وإن أغلبهم يدعي (المظلومية) ويرفع شعار خدمة (الوطن والمواطن) ، بل أنا أقطع وأجزم أن الكثير الكثير منهم قد جاء لأسباب (طائفية) ، أو جاء من أجل الانتفاع الشخصي و (الخبزة) كما يعبرون .

إنها كذبة كبيرة نتداولها يومياً وقد انطلت علينا ، إن لم نقل إننا (نصنع) الكذبة يومياً ، ونصدقها ، ونروج لها بأسلوب (دراماتيكي) ، فنلقي باللائمة في الفشل والفساد والافساد على (الحكومة) متناسين أن الحكومة هي مجموعة من الأفراد (الموظفين) المنبثقين من (طبقات الشعب) ، والذين جاءوا عبر (محاصصة) قذرة ، أو شراء المناصب ، أو عبر علاقات اجتماعية لا تمت للمؤهلات بصلة .

وربما أن كل هذه (الثرثرة) التي ثرثرتها في هذه المقالة ، يمكن اختصارها بعبارة موجزة قالها أمير المؤمنين علي ابن طالب عليه السلام حين قال : (كيفما تكونوا يولّ عليكم) .

ذلك لأن بيت الراقصات لا ينتج أئمة مساجد ، وإن بيت اللصوص لا يمكن أن ينتج (رجال دين) ، إلا أن يكون هذا المنتج قد خطط مسبقاً ليكون ضمن رجال الدين ، لأنه يعرف أن (التلبس) بلبوس الدين ، هو أسهل الطرق وأقصرها لاستدرار العواطف ، والحصول على المكانة الاجتماعية والمكاسب المادية .

لقد قيل من قبل بأن (الناس .. على دين ملوكهم) ، فذهبت بنا التفسيرات الخاطئة في فلك (التنصل) لتقول لنا بأن معنى العبارة هي أن الحاكم إذا فسد فسينتقل هذا الفساد للمجتمع ، وهذا تفسير خاطئ ، لأن الحقيقة التي لم يخبرنا بها (جحاجيح) التفسير هي أن الشعوب (تنتج ملوكها) ، ولذا فـــ (الشعوب) على دين (ملوكها) .

ولذلك ، وبقليل من تنشيط الذاكرة ، واستحضار التجارب والحوارات ، سنجد أنفسنا أمام حقيقة مرة ، وهي أن (أغلب) الذين (ينتقدون) الفاسدين ، هم في الحقيقة (فاسدون ومفسدون) ، وإن حقيقة (إنتقادهم) للمفسدين إنما هي محض (حسد) على مكانة (الفاسد) ومنصبه ، ويتمنى هؤلاء (الناقدون) لو أنهم يحصلون على هذا المنصب ، لا لغرض التغيير والاصلاح ، وإنما لأخذ الفرصة (التأريخية) من أجل الوصول للثراء على حساب (الأخلاق) والشعارات الجوفاء ، وهذا ما رأيناه وسمعنا به ولمسناه لدى كثير ممن كنا نعتقد أنهم ناقمون على الفساد والمفسدين ، حين تحولوا إلى (حيتان فساد) مع أول وصولهم للمناصب التنفيذية .

إن (التفاؤل) مع وجود هذا الانهيار في المنظومة القيمية ، وتحول (الوطن) إلى ذبيحة قابلة للانتهاش ، يصبح محض هراء ، ويصبح (التظاهر) على الفاسدين والمفسدين مجرد مضيعة للجهد والوقت ، أو هو مجرد (وسيلة) شيطانية ضاغطة ، من أجل الحصول على مكسب أو منصب ، واستبدال (سعد) بــ (سعيد) .

مقالات ذات صلة
- Advertisment -spot_img
- Advertisment -spot_img

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

جليل الغريب على ليلة ضلمة
شذى عبد على شخصية من بلادي
الفنان الصغير على غداً هو يوم جديد
الفنان الصغير على إذا استعت أن تحسن حياة انسان